العلاقة بين المعلم والطالب يكون للكلمة أثر كبير في بنائها إما إيجاباً أو سلباً. والذاكرة المختزنة عند كل واحد منا تمتلئ بشواهد من واقع عشناه طلاباً ومعلمين، فكم من كلمة بنت في النفس آمالا وجددت نشاطاً وأعارت للفرح ابتسامة مرسومة على الشفاه الظامئة له، وكم من كلمة هوت على النفس فشظتها أشلاء ممزقة، وكانت سبباً في تعديل مسار الطالب نحو ما لم يكن في الحسبان، فعبارة (أنت ممتاز) يقولها معلم لأحد طلابه لا يمكن مساواتها بحال من الأحوال بجملة (اسكت يا غبي) يقولها معلم لطالب؛ لأنه لم ينجح في الوصول إلى الإجابة الصحيحة، فشتان بين الأولى والثانية ووقعها على نفسية الطالب ومشاعره.
إن طلاب اليوم هم رجال الغد، ولن يمكثوا مدى الحياة على مقاعد الدراسة، بل من المفارقات الكثيرة في هذه الجباة عندما يزامل الطالب أستاذه بالأمس، وقد يصل إلى أن يكون الطالب رئيساً على أستاذه، وليس في هذا عيب، ولكنها من صور الواقع. وهذا سر الحياة الذي لا يمكن للمرء إلا أن يؤمن بأحداث القدر بأمر الخالق سبحانه في علاه، فكل من يجتهد يجد ثمرة اجتهاده، ومن يرنو إلى الكسل والدعة فلن ينال شيئاً.
سألت أحد الطلاب - وكان يحمل بطاقة على جيبه -: ماذا كُتب على بطاقتك؟ فقال وبعد أن نظر إليها (أنا طالب متفوق)، قالها وقد قرأت على محياه علامات من الفرح ونشوة المنتصر، فقررت أن أعطي نفسي فرصة لقراءة أكبر عند كل من يحمل مثل هذه البطاقة، فعندما خرج الطلاب إلى الفناء لتناول إفطارهم (الفسحة) قررت الخروج معهم برغم أن مديري المدارس لم يألفوا أن يخرج زميلهم الزائر في هذا الوقت ليجول بين طلاب المدرسة، ولو جرب كل زميل لرأى أنه من الأهمية بمكان أن يجلس إلى أبنائه الطلاب فيحاورهم ويجلس بينهم على طريقتهم ويلتحق بركاب هذه المجموعة ليناقشهم وليغرس بعض القيم الإيمانية في نفوسهم وليكسر الإنسان حواجز قد تصنعها المهام الوظيفية وهي حواجز وهمية، ولن يزداد إلا رفعة عند كل لحظة من لحظات التواضع والتسامح خلال الجولة مع الطلاب وهم في أصدق لحظات التلقائية.
وجدت الطلاب الذين يحملون بطاقات التفوق فرحين مسرورين ومتمسكين بها وكأنهم يعلنون إنجازهم على العلن، هذه المشاهد لأبنائي الطلاب جرتني للحديث مع زملائي المعلمين عن أهمية وجود بطاقات محفزة أيضاً للطلاب الذين لم يعطَوا بطاقات التفوق مثل: (أنا صديق المدرسة، أنا أحب القراءة، أنا أحب أستاذي، أنا أحب الواجب، أنا مؤدب).. وهكذا من البطاقات التي قد تأتي بنتائج طيبة للطالب، فحينما يعطى طالب كثير الحركة بطاقة (أنا طالب مؤدب)، فسيكون لها مفعول السحر في تعديل سلوكه وبطريقة تربوية ودون اللجوء إلى أساليب قد تؤذيه وتزيد من عدائيته، ولنا أن نقيس ذلك على كل ما يمكن للمعلم أن يقوم به مع طلابه.
الشاهد من هذا الكلام أن للكلمة أثراً بالغاً في بناء العلاقة المطلوبة بين المعلم والطلاب، وكلما مال المعلم إلى استعمال الجُمل والعبارات التي تبني في طلابه العمل الإيجابي والحماس والتنافس كان ذلك أجدى نفعاً من لو استعمل جُملاً وعبارات قد تزيد النفور من المدرسة ومن المعلم، وتخلق كراهية المعلم عند الطالب.. ومع الأسف ما زال هناك معلمون يستخدمون بعض العبارات مع طلابهم وأحياناً في لحظة من الغضب يسجلونها في دفاترهم، ومن ذلك كلمة ضعيف جداً بدلاً من أن يكتب أرجوك ذاكر، آمل أن تتحسن، يمكنك تقديم الأفضل، أريدك أحسن، أنت اليوم أفضل.. ولن يعدم قاموس المعلم من تلك العبارات الإيجابية.
حتى عند الإجابات غير الصحيحة من الطلاب يخطئ المعلم كثيراً عندما يصعق طلابه بكلمة (خطأ. غلط)؛ لأن ذلك سيصيبهم بالإحباط، والطالب الذي يريد أن يشارك سيحجم عن المشاركة وسيخفّ أو يضعف التفاعل الصيفي بين المعلم وطلابه، ولو استبدلها المعلم بجملة (زميلكم لم يصل إلى الصواب، لا ليست هذه الكلمة، أو لم تكتب الكلمة بطريقة صحيحة، أو لم يوفق في الإجابة السليمة، قد تصل إلى الصواب، أو لنعط فرصة لآخر..) لكان أجدى.. تلك العبارات ستشعر الطالب بحب المعلم ومضاعفة الجهد للحصول على رضاه لأنه لم يحبطهم بقدر ما لامس بعباراته مشاعرهم وتفهم قدراتهم وراعى الفروق بينهم في داخل الصف.
وأنا على ثقة بأن المعلمين حينما يجربون ما ذكرت وينسون الشائع من العبارات والجُمل والكلمات السلبية فإنهم سيكسبون طلابهم ويعطون الفرصة لكل طلابهم أن يشعروا بقيمة العطاء والإنجاز؛ فتشجيعهم للمتفوقين لفظاً وكتابة سيعطيهم فرصة الاحتفاء بإنجازهم والتلذذ بعطائهم وتحفيزهم للطلاب الأقل مستوى من زملائهم بعبارات داعمة ستخلق عندهم الرغبة في التعلم؛ لأن العبارات والجُمل المشجعة نمت عندهم مشاعر صاعدة لم تكبحها مخاوف غاضبة يبديها لهم المعلم في حالة عدم توفيقهم في تحقيق ما يمكّن لهم نيل رضا المعلم ووالديهم في طريق التفوق الدراسي.
والطالب في كل الأحوال يحتاج إلى دعم لمشاعره سواء مشاعره عند الإحساس بالتفوق أو مشاعره عند الإحساس بالقصور، حتى بعض العبارات الموجودة في الميدان التربوي يجب أن يستبدل، فبدلا من (السلبيات) تستخدم (ملحوظات)، وبدلاً من (الطلاب المقصرين) أو المتأخرين نستخدم المحتاجين، ونلغي كلمة راسب أو فاشل في اجتياز المهارات ونستبدلها بعبارات أخف وطأة على مشاعر الطلاب وأسرهم.
والذي يريد أن يدرك أهمية العلاقة بين الطالب والمعلم سيرى أن على المعلم أن يأخذ منهجاً سليماً في التعامل مع الطلاب يشعرون من خلاله بأن معلمهم يحترمهم ويقدر آراءهم ويشاركهم ظروفهم ويحترم فيهم إنسانيتهم وآدميتهم، فلا مكان للسخرية من أسمائهم أو أشكالهم، ولا محاولة لإفقادهم الثقة في نفوسهم ولا إلغاء لظروفهم وفصلها في التأثير على تحصيلهم الدراسي.