يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يلحق
عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل
ارتكبه، أو يشتبه بأنه ارتكبه هو أو شخص آخر، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص
آخر، أو عندما يلحق مثل هذا الالم أو العذاب، لأي سبب من الأسباب التي تقوم على
التمييز.
وتعذيب الإنسان جريمة نكراء تأباها الإنسانية وتحرمها الكثير من المواثيق
الدولية والقوانين الداخلية لمختلف الدول، ومع ذلك فإن تقارير المنظمات الدولية
العاملة في المجال الإنساني وحقوق الإنسان، تؤكد ممارسة هذه الجريمة من قبل بعض
الدول، لنماذج لا إنسانية متعددة، رغم ارتباط هذه الدول بمواثيق تعهدت بها أمام
العالم بأسره، بعدم استخدام جريمة التعذيب، التي تخالف أبسط حقوق الإنسان.
سبقت الشريعة الإسلامية القانون الدولي في تقرير واعتبار التعذيب من الأفعال
المحظورة شرعاً، بل واعتبر الشارع الحكيم التعذيب من أبشع الجرائم، لأنه يتعارض مع
إنسانية الإنسان التي كرمها الله تعالى وحث على الحفاظ عليها، سواء في حالة السلم
أم في حالة الحرب، بل وتجد النصوص الشرعية تأمر وتوصي بعدم تعريض الإنسان تحت أي
صفة كان، عسكرياً أم مدنياً، لأي نوع من أنواع التعذيب، النفسي منه والمعنوي.
والشريعة الإسلامية، تعدّ التعذيب جريمة حرب ضد الإنسانية، لذا إن أقدم جندي
مقاتل من أحد طرفي النزاع على تعذيب فرد من أفراد العدو، مدنياً كان أم عسكرياً،
فإن الجندي يعتبر مجرم حرب، والشرع يوصي بأن ينال العقاب المناسب، ليكون عبرة
لغيره، وكذلك فإن من أهم مقاصد الشرع حفظ النفس، ومن أنواع حفظها، عدم إلحاق
التعذيب.
وإليك أهم الأدلة التي تجعل من التعذيب جريمة ممنوعة شرعاً: عن أبي هريرة، قال:
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً
فاحرقوهما بالنار"، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أردنا الخروج: "إني
أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما
فاقتلوهما". فعدل الرسول صلى الله عليه وسلم عن التعذيب بالنار إلى القتل، فدل ذلك
على أن التعذيب بالنار منسوخ.
وعن علي بن أبي طالب، أنه أُتي بجماعة من الزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس،
فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "لا تعذبوا
بعذاب الله". وقول ابن عباس صريح في أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التعذيب بالنار،
وهذا ليس من اجتهاد ابن عباس، بل هو سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه الأحاديث تدل بمجموعها على حرمة التعذيب، وخاصة بالنار، فالنبي صلى الله
عليه وسلم يأمر بالتعذيب، ثم يعود ويتراجع عن أمره، وهذا نسخ، حيث استقر الأمر على
عدم التعذيب، ثم يصرف التعذيب لله، فلا يعذب سوى الله، وما دامت الأحاديث تدل على
حرمة التعذيب، فدل ذلك على أنه محظور شرعاً مما يشكل جرماً.
وعن شداد بن أوس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كتب
الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد
أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته". وهذا الحديث يأمر فيه صلى الله عليه وسلم، بإحسان
الذبح للإنسان والحيوان معاً، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "فأحسنوا القتلة"، عام
في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصاً.
ومن الإحسان أن لا نعذب الحيوان ولا الإنسان عند قتلهما، الأول للطعام، والثاني
للقصاص، والتعذيب يكون بأن يحد المرء سيفه أو شفرته (سكينه) أمام من يريد ذبحه، أو
أن يبطئ بعملية القتل، فإن الشارع نهى صراحة عن تعذيب الحيوان، أفلا يكون من باب
أولى النهي عن تعذيب الإنسان.
أخرج مسلم، في باب النهي عن صبر البهائم، من حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى أن تصبر البهائم".
صبر البهائم، أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه، والحرمة هنا، لمن صبرها يعدّ
تعذيباً لها، والشارع هنا حرم تعذيب الحيوان، فمن باب أولى أن لا يعذب الإنسان.
وعن سعيد بن جبير قال: "مر عبدالله بن عمر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما
رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ "إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعن من فعل هذا".
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن من يعذب الدجاجة وهي حيوان، أفلا يكون
ملعوناً من عذب إنساناً، وهو عند الله أكرم من الدجاجة!
وردت أدلة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنهى عن قتل النساء والصبيان
والعسفاء والرهبان، وعدم توجيه السلاح نحوهم قصداً، فما دمنا مأمورين شرعاً بعدم
قتلهم والتعرض لهم بالسوء، فمن باب أولى أن نكون مأمورين بعدم تعذيبهم، لأن
بالتعذيب قتلاً وزيادة.
وروي في مسلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا غلاماً أسود لبني
الحجاج، من روايا لقريش، عند بدر، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه
عن أبي سفيان وأصحابه، فيقول: مالي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة
وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك، ضربوه، فقال: نعم، أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا
تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن
خلف بالناس، فإذا قال هذا أيضاً ضربوه ورسول الله قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف،
وقال: "والذي نفسي بيده، لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم".
بكلمة؛ تنظر شريعة الإسلام للتعذيب على أنه كبيرة من الكبائر وجريمة من الجرائم،
التي لا يجوز أن يتقاعس المسؤول عن معقابة من يتخذ من تعذيب الناس صنعة وحرفة،
فالأدلة الشرعية الصريحة والصحيحة، تحرم تعذيب الحيوان، وتأمر بالإحسان في ذبحه،
فكيف بالإنسان الذي كرمه الله!