الشجرة الملعونة في القرآن لقد ذهب أهل التفسير في شرح دلالة كلمة ( الشجرة ) من النص القرآني التالي :
[وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن] الإسراء60 إلى أنها شجرة نباتية تخرج في أصل الجحيم, وهي المقصودة بشجرة الزقوم في قوله تعالى:[لآكلون من شجر من زقوم]الواقعة 52 وذلك التفسير كان نتيجة التعامل مع النص القرآني بصورة سطحية , وأخذ ما انتشر وشاع بين الناس من استخدام لدلالة الكلمة ,
وفهم دلالة الكلمات في النص القرآني بصورة مجزأة من منظومة النص وحركته الواقعية. إن لفهم دلالة كلمة من نص قرآني لا يمكن أن يحصل بصورة مقتطعة من سياق النص والاعتماد على المستخدم في تصورات الناس المعيشية , بل لابد من فهم دلالة جذر الكلمة لغة, وبعد ذلك فهم حركة هذه الدلالة في سياقها مع المفردات الأخرى التي تم استخدامها في بناء النص , وبعد ذلك يتم إسقاط النص على محله من الخطاب ( الواقع )
لأن الواقع هو البوصلة الذي يحدد صور دلالات كلمات النص والمقصود منها , كما أن الواقع هو أساس للغة ومحل للتخاطب , واللغة هي مرآة صوتية للواقع, وبالتالي ينبغي دراسة الأصل ( الواقع ) وليس صورته ( اللغة ) . إن كلمة (الشجرة ) من شجر التي تدل على تداخل وتشابك الأشياء ببعضها . نحو قولنا : المشاجرة . إذا تداخل اثنان في عملية نزاع بالأيدي أو الأرجل. قال تعالى:[ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم] النساء 65 بمعنى فيما تداخل بينهم من مصالح وعلاقات اختلفوا فيها .
وسميت (الشجرة) شجرة لأن أغصانها متداخلة ببعضها . ومن ذلك الوجه أطلقنا على صورة نسل العائلة (شجرة العائلة ) لتداخل العلاقات فيما بينهم .
فما هي دلالة كلمة (الشجرة ) في النص القرآني التالي : [والشجرة الملعونة في القرآن ] ؟
بعد أن عرفنا أن دلالة كلمة الشجرة من حيث الأصل هي التداخل والتشابك بين الأشياء, نأتي لمعرفة علاقة هذه الكلمة مع الكلمات الأخرى في النص وملاحظة حركة النص في الواقع .
نلاحظ في النص وجود كلمة ( ملعونة ) أتت وصفاً لكلمة ( الشجرة ) ومن المعلوم أن دلالة كلمة (اللعن ) هي الطرد والغضب والنبذ للشيء . وهذه الدلالة لا تستخدم لغير العاقل الحر , فلا يصح لغة ولا واقعاً طرد أو الغضب على الحجر أو الخشب أو الحديد .. ! لأنها كائنات لا يصدر سلوك منها يدعو إلى تعلق الطرد أو الغضب بها , مما يدل ضرورة على أن دلالة كلمة ( الشجرة ) في النص المذكور يقصد بها تداخل وتشابك العلاقات والمصالح بين الناس . إن العلاقات والمصالح بين الناس هي أفعال للناس ( المجتمع ) وبالتالي فاللعن موجه إلى الفاعل وليسإلىالفعل. فمن هو المجتمع الفاعل صاحب الأفعال التي ترتب على ممارستها لعنه والغضب عليه ؟ !
نجد جواب ذلك في سياق النص ذاته [ والشجرة الملعونة في القرآن ] إذاً المجتمع الملعون مذكور في القرآن , فينبغي البحث عنه في داخل النصوص القرآنية !!.
وعند البحث عن المجتمع الملعون في القرآن نجد أنه المجتمع اليهودي صاحب الأفعال القبيحة والفاسدة التي ترتب عليها لعنه والغضب عليه . قال تعالى:
[لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ] المائدة 78
[وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ] المائدة 64
[قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله مَن لعنه الله وغضبَ عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل ]المائدة60
وذكر الله هذا المجتمع الملعون بسبب أفعاله في القرآن ليحذرنا من إيجاد علاقات وتشابك ( (الشجرة ) معه , لأن حصول ذلك التشاجر هو دعم لأصل الشجرة ( المجتمع ) الملعونة وضعف للمجتمع الآخر وذهاب لسيادته وانتشار الفساد والظلم فيه , وهذا يقتضي شمول المجتمع الآخر باللعن لأنهم اتصفوا بصفات المجتمع الملعون , واللعن ليس مرتبطاً بقومية وإنما مرتبط بأفعال ,فمن مارسها استحق اللعن كائن من كان . وهذه القاعدة الاجتماعية قد علمنا إياها رب العالمين منذ أبونا آدم عندما نهاه عن إيجاد علاقات مع مجتمع إبليس بقوله تعالى : [ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكُلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ] الأعراف 19 كون دلالة كلمة (أكل) لا يشترط لها الطعام في الفم و وإنما هي تدل على مجرد تناول الشيء وأخذه انظر قوله تعالى : [ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس ] النساء 161 ولكن أبونا آدم ضعف ونسي من كثرة وسوسة إبليس ووعده له بأنه إذا قام بإيجاد هذه التحالفات والتطبيع والعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية مع مجتمع إبليس فسوف يصيران مجتمع واحد قوي وشديد في اقتصاده وملكه وسوف يتوارث أبناؤهم ذلك الملك بحيث لن يهلك ويبلى في المنظور البعيد, لأن أبونا آدم سوف يصيبه الموت لا محالة, وكذلك إبليس , واستمر إبليس في بعث رسله ووسوسته في ذلك إلى أن رضي آدم في قيام ذلك التحالف والتطبيع والوحدة بين المجتمعين !!!.
والذي صار أن مجتمع إبليس سيطر وهيمن على مجتمع آدم من خلال امتلاكه الاقتصاد بواسطة نشر الفساد والرذيلة في مجتمع آدم الذي سرعان ما استجاب للشهوات ووقع في المحظور الاجتماعي , فأدركته سنة الله في المجتمعات فأهلكته وأصابته اللعنة . وتم تفكيك مجتمع آدم وزواله ,وظهر مجتمع إبليس ,واستمر الصراع بين الحق والباطل إلى يومنا هذا !!.
لذلك ينبغي الحذر من الاقتراب من الشجرة الملعونة, أو إيجاد معها أي تحالف أو تطبيع أو علاقات, لأن الفساد سرعان ما ينتشر ويصيب المجتمع ويهلكه ( عدوى اجتماعية ) وبالتالي يستحق اللعن .