ماهية العولمة: فى التدريس
العولمة فكرة ليست وليدة اليوم أو الامس، ولكنها ظاهرة قديمة قدم الانسان على سطح الارض، ولكن من الملاحظ أن الكثير يخلطون بين مصطلحين، الاول هو العالمية والثانى هو العولمة، فالعالمية هى رؤى أمل وتطلع إلي نقل الخاص إلي المستوى العالمى، اما العولمة فهى احتواء للعالم وفرض الهيمنة والسيطرة ومحو الخصوصية والذاتية.
ولقد أصبحت فكرة العولمة تيارا فكريا ينشغل به تفكير الدول والحكومات والشعوب، بل أن أصحاب النظم المعروفة فى السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا أصبحت لهم توجهات ورؤى جديدة نتيجة لانتشار هذا الفكر، ويستهدف هذا الفكر اعتبار العالم كله وحدة واحدة من كافة النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية، وان العالم كله هو بيئة للانسان وفيه متسع للجميع، وعلى الرغم مما قد ينتج عن العولمة من تقدم وسيادة الدول المتقدمة الا أن العولمة أصبحت مسألة تلف للعالم كله وخاصة الدول النامية والفقيرة.
ماهية العولمة:
يمكن القول أن للعولمة معنى عاما وشاملا يتضمن فى جوهره الانتقال من المجال الوطنى أو الاقليمى(القومى) “International” إلي المجال العالمى أو الكونى “Global”، ذلك لان الكلمة الاولى تعنى وجود الحدود وخطوط الفصل، بينما الكلمة الثانية تعنى تجاوز الحدود وزوالها، وهذه الحدود تشمل الاحد المكانى والزمانى والبشرى.
وبهذا المعنى فان العولمة تمتد إلي كل مظهر وكل جانب من جوانب الحياة، بحيث يؤثر كل منها فى الاخر ويتاثر به، ولعل اهم هذه الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية.
العولمة ... عالم بلا حدود: العولمة كما سبق أن أشرنا هى تجاوز لجميع الحدود المكانية والزمانية والبشرية، واعتبار العالم كله قرية صغيرة تمحى فيها الخصوصية تتلاشى سلطات الحكومات وتتعاظم وتتفاقم "السلطات المشتركة"وهيمنتها على العالم.
وسائل تحقق أهداف العولمة:
1-تعظبم دور تكنولوجيا الاتصال والتواصل(القنوات الفضائية، الشركات العملاقة، الاعلام، الانترنت).
2-تأسيس نخبة تكون نموذجا للنجاح الاقتصادى والمهنى(وخاصة فى الدول النامية).
3-تشجيع اساليب المحاكاة للنخبة المختارة(وخاصة محاكاة اساليب التعبير اللغوى وطرق السلوك الاجتماعى).
4-تماثل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، بل ونقلها إلي الدول النامية خاصة.
العولمة .... تأثيرات متعددة المحاور:•
ففى الاقتصاد، تقوم العولمة على افتراضات الاقتصاد المفتوح، واللبرالية الجديدة التى تعتبر الاقتصاد الحر هو نهاية التاريخ، وتدعيم قيم المنافسة والانتاجية، وقد أقامت العولمة مؤسساتها الاقتصادية التى تكاد تشل حركة الاقتصادية الوطنية، ناهيك عن مؤسسات الأمم المتحدة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ومنظمة التجارة العالمية، والتكتلات الاقتصادية الكبرى التى تشمل الشركات المتعددة الجنسية وذلك كله بهدف الوصول إلي سوق بلا حدود.
• وفى السياسة، فان العولمة تبدو كما لو انها دعوة إلي الديمقراطية واللبرالية السياسية، ودعم حقوق الانسان والحريات الفردية، مع التركيز على نهاية (الدول القومية)ونهاية الحدود الجغرافية، وذلك بهدف الوصول إلي أرض بلا حدود(أي نهاية الجغرافيا كما يقال أحيانا).
• ولعل اخطر الجوانب التى تخترقها العولمة هو جانب الثقافة، فكتاب العولمة يعبرون صراحة أو ضمنا على أن العصر القادم سوف يتطلب توحيد القيم والرغبات والحاجات وأنماط الاستهلاك فى الذوق والمأكل والمسكن، وتنميط طريقة التفكير، والنظر إلي الذات والى الاخر، وغير ذلك من جوانب الثقافة والعلم والتعليم، وذلك بهدف الوصول إلي ثقافة بلا حدود.
التكنولوجيا مع أم ضد العولمة؟
أدت العولمة إلي ظهور مدن عالية التقنية ومنخفضة المشاعر الإنسانية وشركات متعددة الجنسيات، ولقد صاحب ذلك أن الدول القوية سادت العالم وستزداد هذه السيادة قوة وضراوة فى القرن القادم، وسلاحها فى ذلك هو المعرفة التكنولوجية المتقدمة التى تؤهلها لانتاج المعرفة، ومن هنا فان المعرفة ستكون أداة للسيطرة على الشعوب التى لا تمتلك المعرفة، وتعكس هذه الصورة الحاجة إلي الوجه الانسانى للعولمة حتى لا يسود الظلم، وحتى لا تنهار الدول الضعيفة وتزداد فقرا على فقر.
والمسألة هنا تعنى أننا فى حاجة إلي مواطن قادر على المشاركة وانتاج المعرفة والتكنولوجبا واستخدامها، وتوجيه هذا الاستخدام توجيها علميا صحيحا بما يحقق التقدم للفرد والمجتمع، وبما يحافظ أيضا على الهوية الثقافية ويغذيها ويطورها بشكل مستمر.
ومن الملاحظ أن الدول التى تسمى "بالدول المعولمة"تتبنى فكرا تربويا يستهدف الابناء ليكونوا مفكرين ومبدعيين قادريين على الإضافة إلي تراكمات العلم واثرائه، وبالتالى السيطرة على مصادر المعرفة المتطورة فى كافة المجالات، ومن ثم فان المواطن مطالب بأن تكون له بصمة خاصة به فى مسارات عملية التنمية وكل ما تحتاج من معرفة وتكنولوجيا متقدمة، ومن ثم فان نظمنا التعليمية لابد أن تكون قادرة على إعداد أجيال قادرة على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، فالدول المتقدمة لم تقطع شوطا بعيدا فى طريق التقدم الا من خلال أبنائها الذين استطاعوا أن يضيفوا إلي المعرفة تراكمات جيل بعد جيل، وهم أيضا الذين صنعوا التكنولوجيا وأدخلوا عليها كل ما ظهر من تطوير، انها عقول البشر وما أتيح لهم من إمكانات، ومن هنا نقول أن امتلاك المعرفة المتقدمة والتكنولوجيا المتطورة أصبح سلاحا وقوة هائلة تضع الدول المتقدمة فى موقع الصدارة والتحكم والاستيعاب السياسي والاقتصادي والثقافي، اما الدول التى لا تمتلك المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة ليس أمامها الا أن تدور فى فلك دولة أو دول تمتلك هذه القوة المعرفية التكنولوجية.
المنهج المدرسي في مواجهة العولمة:
لابد أن تطور المناهج لمواجهة هذه الظاهرة ولعمل ذلك لابد أن نقوم بالأتى:
1-ندرس تماما ظاهرة العولمة والمفاهيم المرتبطة بها والتي يمكن تضمينها فى المناهج.
2-تحليل مناهج التعليم بهدف:
• التعرف على ما مدى تناول هذه المناهج للمفاهيم المرتبطة بالعوامة، سواء تناول إيجابي أو سلبي.
• التعرف على نوعية القيم التى يمكن أن ينتجها النظام
التعليمي فى المجتمع نفسه.
3- ألا نكتفي برصد الواقع، فعلى معدي المناهج أن يجلسوا معا لوضع خطة شاملة لكيفية تنمية القيم والاتجاهات التى تتواءم مع ظاهرة العولمة.
4- من خلال المناهج لابد أن نؤكد على الاختلافات والتنوع الثقافي وان يكون لكل دولة ثقافة خاصة بها، وخاصة قضية اللغة القومية، ولابد أن يكون هناك اهتمام قوى باللغة العربية.
5- لابد من الاهتمام بالجوانب الوجدانية وما يرتبط بها من قيم معينة، وهذا الجانب مهمل جدا فى مناهجنا التعليمية.
6- ان يعاد النظر فى المناهج، وفى الدور الذي يقوم به المتعلم، فلابد أن يكون التعلم الذاتي له مكانة كبيرة عند المتعلم.
7- الأخذ بمفهوم الجودة الشاملة فى بناء المناهج وتطويرها، (كيف يمكن أن نقدم تعليم جيد فى ضوء إمكانات متواضعة؟)
8- الاهتمام بدراسة التاريخ بمنتهى الموضوعية وبدون زيف.
9- ان نهتم بالعلوم الحديثة التى يعبر عنها العصر وتجعل منا منتجين للمعرفة وليس مستهلكين لها فقط.