جودة البرامج والمناهج والمحتويات التعليمية ..!..
لتحقيق الجودة في
مجال التربية والتعليم والوصول إلى الأهداف المرجوة من العملية الديداكتيكية لابد
من الاهتمام بالبرامج والمناهج الدراسية وإعادة النظر فيها.
1- المناهج
والبرامج:
عند وضع المناهج والبرامج الدراسية لابد من وضع مجموعة من
المعايير والمقاييس والمواصفات الضرورية لتأهيل تعليمنا لكي يلتحق بركب التنمية
والتطور والازدهار. ومن أهم هذه المعايير: الحداثة والمعاصرة والاستجابة لحاجيات
المجتمع ومؤسساته الاقتصادية، والانفتاح على مستجدات العلوم والفنون والآداب
والتكنولوجيا على غرار الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو كدول جنوب آسيا
مثل:الصين وهونغ كونغ وتايوان وسانغفورة وكوريا الجنوبية. ومن الأفضل أن تقوم هذه
المناهج على فلسفة الكفايات استجابة لمتطلبات السوق والعولمة ومتطلبات المقاولة
المغربية أو المستثمرة داخل المغرب.إضافة إلى ذلك، لابد أن تنطلق هذه المناهج من
فلسفة ميثاق التربية والتكوين وأن تعمل على تشرب مرتكزاته ودعاماته ومبادئه لتخطي
كل العقبات والأزمات التي يعانيها التعليم المغربي، علما أن الميثاق غني بكثير من
البنود والمقررات التي يمكن أن تساهم في إثراء منظومتنا التربوية والتعليمية، كما
على هذه المناهج أن تتطور بتطور الطرائق البيداغوجية الحديثة لمواكبة التطور
العالمي في مجال التواصل والإعلاميات والتطور التقني.
ومع توقيع المغرب على
اتفاقية الكاط واتفاقيات التبادل الحر الثنائية أو الجماعية، نرى أنه من الضروري أن
يحدث الانفتاح ومسايرة متطلبات العولمة على مستوى البرامج والمناهج الدراسية.ولا
يعني هذا إهمال الموروث المحلي الخصوصي والقيم الوطنية ، فلا بد من تجزيء المناهج
والبرامج لتراعي ثلاثة جوانب أساسية، وهي:
1- الثقافة العالمية ذات البعد
الإنساني؛
2- الثقافة الوطنية؛
3- الثقافة المحلية.
ولا ننسى كذلك ضرورة
مواكبة هذه البرامج والمناهج لمعايير التقويم والدوسيمولوجيا الحديثة لتكون
المحتويات والخبرات الديداكتيكية أكثر إجرائية وتطبيقا وقابلية للمراجعة والنقد
الذاتي والفيدباك.ولا يمكن أن يتحقق إصلاح المناهج إلا بتوفير الوسائل المادية
والمعنوية والبشرية وإلا سيبقى هذا الإصلاح الذي تتطلع إليه وزارة التربية والتعليم
إصلاحا طوباويا دونكيشوتيا خياليا لا يعتمد على مرتكزات حقيقية وواقعية وميدانية.
ولا ينبغي أن تكون هذه البرامج والمناهج إملاءات من دول أجنبية أو من قبل دول
المركز نخضع لها باعتبارنا دولا محيطة متروبوليا أو اقتصاديا أو سياسيا(مثل التبعية
الفرنكوفونية)، وألا تكون نتاجا للضغوطات الدولية وشروط الأبناك المانحة كالبنك
الدولي وصندوق النقد العالمي، أي ألا يكون الإصلاح خارجيا. ولا يعني هذا ألا نستفيد
من خبرات الدول الأجنبية، بل علينا أن نلم بتجارب الدول المتقدمة كألمانيا
والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان وخبرات التنينات الأربعة. ومن
الأحسن أن نراعي في وضع هذه البرامج نظام المجزوءات les modules والتناغم والتكامل
بين وحدات المقرر والمواد المدرسة لتحقيق الاتساق والانسجام البيداغوجي انسجاما مع
فلسفة الكفايات والوضعيات، كما ينبغي أن تكون هذه البرامج والمناهج واضحة ودقيقة
وقابلة للأجرأة والتطبيق.
ومن أولى الأوليات، أن يستشيرالمسؤولون في الوزارة
المركزية الذين تناط بهم مهمة وضع البرامج والمناهج كل الفاعلين التربويين بما فيهم
الأساتذة والمفتشون والمتمدرسون وأولياء التلاميذ وكذلك الأطر الإدارية والشركاء
الذين تستوجبهم مدرسة الحياة la vie scolaire، وألا يكون تنزيل البرامج والمناهج
بشكل عمودي.
ونرى من الأفضل كذلك، أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التربوية على
ثوابت الأمة كالدين والعربية والأمازيغية أي أن تستجيب لمكونات الدولة المغربية
بدون إيديولوجية أو عرقية شوفينية ومزايدات سياسوية أو نقابوية أو إسلاموية، دون
الانفصال عن المنظور الإسلامي والعربي والقومي.
وعندما نصدر أي إصلاح تربوي جديد
أو أي تغيير لابد من تأهيل الأساتذة لاستيعاب هذا الإصلاح عن طريق التكوين والتأطير
والشرح والتفسير والإعلا م، وتمكينهم بكل المذكرات والقرارات الوزارية والجهوية
ليتمكنوا من تطبيق مقترحات الوزارة وأجرأة قراراتها ومذكراتها في أحسن
الظروف.
ولابد أن نشير في الأخير إلى ما تم الإشارة إليه سالفا وهو أن تتضمن هذه
البرامج والمناهج فلسفة وطنية قائمة على التواصل والتسامح والأخوة، وأن تكون نابعة
من التربة المحلية ومن الذات المغربية.
2- الكتب المدرسية:
وللحصول
على الجودة التربوية لابد أن توفر الوزارة الكتب المدرسية في الوقت المناسب وبأثمان
معقولة. ومن المؤكد عليه أيضا أن تتلاءم كثافة المحتويات مع السياق الزمني للسنة
الدراسية وإيقاعها المقنن. ومن الضروري كذلك أن يعاد النظر في بعض الكتب ذات الكم
الهائل ولاسيما في مجال العلوم الطبيعية والفيزيائية والكيميائية والرياضيات
والاجتماعيات والتربية الإسلامية...
ونرى أنه من اللازم تغيير المقررات الدراسية
مع تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمواكبة المستجدات الموجودة في
الساحة العلمية والفنية والأدبية والتقنية. ويلاحظ كذلك أنه من الأفضل أن تتغير
المؤلفات الأدبية والفنية في التعليم الثانوي التأهيلي كل أربع سنوات لتفادي الملل
والتكرار والروتين ولاسيما في شعبتي اللغة العربية و الفرنسية.ولابد أن تتأسس الكتب
المدرسية على معايير الحداثة والمعاصرة وجودة المحتويات والشكل والإخراج المطبعي
الملون مراعين في ذلك شروط التلقي والتقبل وسيكولوجية القراءة والبعد الاجتماعي
وسيميولوجية التواصل. ومن الحضاري كذلك أن يكون هناك تنوع في الكتب المدرسية والكتب
الموازية بشرط أن تستجيب لشروط دفتر التحملات التي ترسيها وزارة التربية والتعليم
وأن تكون مصححة ومنقحة، وأن تدقق في مفاهيمها ومصطلحاتها العلمية المتفق عليها
دوليا ووطنيا وعلميا ومؤسساتيا ولسانيا. وهنا لابد كذلك من توحيد اللجان التي تضع
الكتب المدرسية لكي لا يقع نشاز بينها أوعدم التكامل والتنسيق؛ مخافة من التناقض
المنهجي أو المعرفي أو الديداكتيكي.ومن المفيد مرجعيا وعلميا، أن نسترشد بكتب محلية
وجهوية تطبيقا لشعار الوزارة: الجودة/الجهوية/القرب.ولن تعطي العملية التربوية
ثمارها إلا إذا ألزمنا تلامذتنا بإحضار الكتب المدرسية خاصة مع ندرة الوسائل
الديداكتيكية. ولابد أن ننبه إلى أمر مهم وهو أن نترك الحرية للأستاذ لاختيار كتاب
المقرر المناسب مراعيا مستوى الفئة المدرسية المستهدفة، علاوة على ضرورة تنويع
المصادر في تهييء المادة المعرفية لإنجاح العملية البيداغوجية داخل الفصل الدراسي.
وما ينبغي أن نشير إليه أيضا أن تكون هذه الكتب المدرسية ذات محتويات حيوية
وديناميكية مرتبطة بالفضاء الذي يعيش فيه التلميذ، وأن تواكب المستجدات في ميدان
الإعلام والتواصل والإحصاء كما هو الشأن في المواد الاجتماعية، وأن تراعي هذه الكتب
والمقررات ميولات التلميذ وأهوائه وقيمه الوطنية والدينية والحضارية، وأن تبتعد عن
تكريس إيديولوجيات معينة، بل عليها أن تكون ذات محتويات إنسانية عادلة وذات أبعاد
اجتماعية ديموقراطية. بله عن ذلك، أن تكون متماثلة مع أهداف المنهاج وفلسفة
الكفايات، وأن تكون محتويات هذه الكتب عبارة عن وضعيات وسياقات تربوية قابلة
للتقويم والاختبار.
3- استعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية:
وإذا
انتقلنا إلى استعمال الزمن، فهو الذي ينظم العملية الديداكتيكية من جميع
جوانبها.لذا لابد أن ينبني على مجموعة من المقومات الأساسية كالاعتماد على الإيقاع
الزمني الوظيفي، واحترام الأعياد الدينية، وإعطاء الأسبقية للمواد الرئيسية على
حساب المواد الثانوية أو التكميلية لكل مسلك على حدة، وضرورة التخفيف من حجم ساعات
المدرس والتلميذ معا؛لنعطي لهما فرصة للتحضير وتهييء ما يجب تهييئه من خبرات التعلم
ووحدات المقرر.ويستلزم هذا الإيقاع الزمني أن تنوع الإدارة من المستويات الدراسية
لكل أستاذ تفاديا للروتين القاتل حسب الكفاءة التي سيظهرها المدرس في الحقل
التدريسي والتربوي.وعند وضع الاستعمالات الزمنية من الأفضل أن تراعي مبادىء
السيكولوجيا والشروط التربوية، وأن يستشار الأساتذة في وضعها ومناقشتها بطريقة
موضوعية مع الأخذ بعين الاعتبار إكراهات بنية المؤسسة والبنى النسقية الأخرى. ونلح
أن تكون برمجة الإيقاع الدراسي مضبوطا ودقيقا وإنسانيا وعادلا يرضي كل الأطراف
الفاعلة أي لاضررولاضرار. ومن خصائص هذا الإيقاع كذلك، أن يستجيب مع مؤهلات المدرس
وخصوصيات المتعلم والجودة الكفائية وسمات مدرسة الحياة السعيدة، ولن يتم ذلك إلا
إذا تحكمت الوزارة في تنظيم الحركة الانتقالية في وقتها المحدد( أي في آخر السنة
الدراسية)، وانطلاق محدد للموسم الدراسي لمساعدة المؤسسات التربوية في توفير إيقاع
تربوي ناجح وهادف وضبط الحاجيات الممكنة. ونرى أنه آن الأوان للعمل بنظام
سيكماsigma في تسيير المؤسسة التربوية كما ينص على ذلك ميثاق التربية
والتكوين.
4- ظروف التعليم بالقسم:
من الأوليات البيداغوجية
والديداكتيكية لتحقيق الجودة في ميدان التعليم لابد من تحسين ظروف التعلم والتعليم
انسجاما مع مدرسة الحياة أولا، وتطبيقا لمبادىء ميثاق التربية والتكوين ثانيا. ولن
يتحقق ذلك إلا بالتخفيف من أعداد التلاميذ وتوفير الإمكانيات المادية والتجهيزات
المناسبة وتحديث الأقسام وعصرنتها، وذلك بتوفير الوسائل التكنولوجية والإعلامية
المعاصرة( الكمبيوتر والإنترنت...).
ويستلزم هذا التحسين كذلك صباغة الأقسام
بالألوان التي يرتاح لها الأستاذ والتلميذ معا، وتجهيزها بمختبرات حديثة تتوفر على
تقنيات وآليات أكثر عصرنة تتطلب وجوب المحافظة عليها، ولا بد أن تتوفر المؤسسات
التربوية على آلة للاستنساخ لتسهيل عمليات طبع الفروض والامتحانات.ولابد من تنظيف
الأقسام والجدران وتأهيل التلميذ أخلاقيا ومعرفيا للمشاركة في هذا الورش الإصلاحي
بطرق ديموقراطية مقنعة. كما أن مدرسة الحياة التي تدعو إليها الوزارة من الضروري أن
تستند إلى التنشيط الفني والثقافي والعلمي. ونلح كذلك على وجوب توفير الأطر
التربوية والإدارية و الأعوان المساعدين بالقدر الكافي، مع ضرورة إيجاد المحلل
النفساني والباحث الاجتماعي داخل المؤسسة لتصحيح العلاقة التواصلية خصوصا بين
التلميذ والأستاذ، وأيضا لتفادي الاصطدامات المتكررة بين التلميذ والتلميذ أو بين
التلميذ والأستاذ أو بين التلميذ والإدارة.
الخاتمة:
تلكم هي أهم
الشروط والاقتراحات والتوصيات التي نراها مناسبة لتحقيق جودة كفائية وحداثية
لمنظومتنا التربوية في مجال البرامج والمناهج ووضع الكتب المدرسية وتوظيف الإيقاع
المدرسي وتحسين ظروف القسم.