أيها الأحبة في الله, أرأيتم هذه الحياة وما فيها من شمس وقمر وجبال وشجر ودواب, وما سخّر في برها وبحرها.
ما شأن الناس فيها لو كانوا رجالاً بلا نساء، أو نساء بلا رجال!
هل تستقيم لهم حياة ؟!
وهل تصلح لهم حال ؟!
لذا كان من أعظم النعم التي امتن الله تعالى بها على عباده أن جعلهم أزواجاً يسكن بعضهم إلى بعض، كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
وقال عز وجل: وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
فالزواج من أعظم النعم التي يتنعم بها البشر, وهو أساس في بقاء الحياة، وبناء المجتمعات, والرغبة عنه رغبة عن خيرٍ وهدى، فإن الله تعالى أخبر عن المرسلين فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً [الرعد:38].
وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزواج من سنته, وذلك حين جاءه الرهط الثلاثة وكان منهم من قال: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: ((أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) رواه البخاري.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الزواج ويقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)) رواه أبو داود والترمذي.
أيها الأحبة في الله, ومن هنا, فلابد من حديث نتدارس به بعض ما يتعلق بهذا الشأن العظيم ـ أعني شأن الزواج ـ
وخاصة أننا في أيام نشهد فيها كثرة الزواج, وهذه نعمة نتحدث بها, ونحمد ربنا سبحانه وتعالى عليها.
فإليكم الحديث, وقفات نصح ومحبة, ورسائل إخاء, أسطر فيها أحرفاً إلى الشباب بعامة وإلى كل واضع قدمه على عتبة الزواج, إلى كل أب، وكل قائم على فتاة بلغت سن الزواج، وإلينا جميعاً في أفراحنا وولائمنا.
وإلى كل عروسين لبناء أسرة مسلمة تحفها أنوار الإيمان من كل جانب.
فالرسالة الأولى:
إلى كل شاب، وقد بلغ سن الزواج, وأراه مع هذا يعرض عنه كثيراً, ويجعل بينه وبينه عوائق مظنونة وحواجز وهمية, فترى سنين زهرة العمر تمضي عليه سريعة وهو في سبات التسويف يوماً بعد يوم.
فإليك أيها الشاب هذا الخطاب, ممن لن تجد من الخلق أرأف بك منه، ولا أنصح لك منه, وهو النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
فأجب النداء ما دامت الاستطاعة في يديك, وبخاصة أنك ترى الفتن تسارع في الناس بأنواع شتى, وتمد حبائلها, لتتصيد بها الفُرَانِس.
فاقطع الطريق عليها أن تصل إليك، وتعفف بالحلال الطيب، الذي يرضاه ربك، لتذوق اللذتين، وتعيش الحلاوتين في حياة طيبة في الدارين.
الرسالة الثانية:
إلى ذاك الذي يريد أن يبدأ خطوته الأولى في الزواج.
فإليه أقول: من تخيّرت لتكون رفيقة دربك وسكينة نفسك؟
وبأي ميزان وزنت حالها؟
أبجمالها؟
أم بمالها؟
أم بدينها وخلقها؟
اسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
هذا هو الميزان الحق الذي يجب أن تبدأ به.
فالمرأة الصالحة تعينك على طاعة ربك وترعاك في بيتك، وتحفظك في نفسها، وهي يدٌ أمينة على ذريتك بأن تنشئهم النشأة الطيبة.
قال تعالى: وَالطَّيّبَاتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَاتِ [النور:26].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة من السعادة، وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك)) الحديث أخرجه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) أخرجه مسلم والنسائي وأحمد.
وقد قيل في هذا المعنى:
مِنْ خير ما يَتّخِذ الإنسان في……دنياه كيما يستقيمَ دينُه
قلب شكور ولسان ذاكر……وزوجة صالحة تعينُه
فليكن الصلاح هو ميزانك الأول في اختيار زوجتك.
ثم إني أعلم أن في نفسك مطالبَ ومواصفات ترغبها فيمن تريد زواجها, وهذا مما لا جناح عليك فيه, بل هو من الأمور المعتبرة, ولكن لا يقدّم على الدين والخُلق.
ثم لتكن واقعياً في تلك الرغبات, ولا تُغرق في المواصفات, فتريدها كذا وكذا وكذا, حتى يعيى أهلك أن يجدوا لك مطلبك.
فإن الجمال حقيقة هو جمالُ الدين والخلق والمنطق الحسن, فإنه لا يزيد مع الأيام إلا حسناً.
أما جمال الظاهر, فسرعان ما يتبلد الحسّ بتكراره, وإن اجتمع هذا وهذا, فذاك خيرعلى خير.
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا …لا بارك الله في دنيا بلا دين
وكن كذاك الذي بذلت أمه الجهد أن تجد له ذات الدلال والجمال، فلما وجدتها جاءت تزف إليه البشرى:
جاءته بعد الجهد قائلة له………أبشر بنيّ ظفرت بالمتعلمهْ
شقراء أجمل ما رأت عين امرئ………وقوامها يا حسنه ما أقومهْ
عينان ضاحكتان ما أحلاهما………سبحان من صاغ الجمال وتممهْ
ما أروع الحلي المضاعف حسنها ………ويزيد سحر الحسن وهي مهندمهْ
أغلى المراكب تستقل وتكتسي ………أغلى الثياب وفي الثراء مقدَّمتهْ
فلكل ما تبغي تقدم مالها………بذلاً ، ودوماً بالنفائس متخمهْ
والأم مذ عرفت مرادي تمتمت ………وأنا الذي أدري بتلك التمتمهْ
ما لي أراك وأنت تطرق صامتاً………هل يرضِيَنَّك أن أظل محطمهْ
أماه, ما يرضيك روحي دونه………هيهات قلبك أن أعُق وأظلمَهْ
أماه شوقي لا يحن لزوجة………إن همت أو قصّرت كانت ملهمهْ
هي للثراء وفي الثراء وما تريـ …ـد سوى بأن تبقى الزمان منعمة
أماه لي أمل وما أملي سوى………جيل يعيد لنا حياة المكرُمَهْ
أماه ما أرجو وترجو أمتي………ما كان إلا في زواج المؤمنهْ
ثم اعلم أنك في حياتك الزوجية تزيد عليك المسؤولية, فإن قمت بها خير قيام كانت الأجور تأتيك مضاعفة, بل إن في شهوتك التي تقضيها مع زوجتك يكتب لك الأجر، وفي اللقمة تضعها في فم امرأتك يكتب لك فيها الأجر.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه...)) الحديث وفيه: ((ولك في جماع زوجتك أجر)) قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت لو كان لك ولد، فأدركَ، ورجوت خيره، فمات، أكنت تحتسب به؟)) قال: نعم.
قال: ((فأنت خلقته؟)) قال: بل الله خلقه.
قال: ((فأنت هديته؟)) قال: بل الله هداه.
قال: ((فأنت ترزقه؟)) قال: بل الله كان يرزقه.
قال: ((كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته ولك أجر)).
الرسالة الثالثة:
إلى كل أب وإلى كل ولي على فتاة بلغت سن الزواج, أن يرعوا تلك الأمانة التي بأيديهم, وأن يقوموا بالحق الذي عليهم تجاهها, ومن ذلك:
أولاً: أن يتخيروا لمن تحت أيديهم الزوج الصالح، وأن يحفظوها من كل من ضيع الخلق والدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).
وإن من المؤسف أن تجد بعض الآباء ينظرون إلى كل جانب ماديّ فيمن خطب منهم، ويربطون به القبول أو الردّ.
أما إذا قيل: إنه لا يصلي، أو أنه يتعامل بالربا، وأنه يفعل كذا وكذا, لم يجد ذلك في قلوبهم نفوراً فيزوجونه على هذه الحال.
ثانياً: التيسير في أمر المهور، ليكون ذلك مُنزلاً للبركة في حياة بناتهم.
وإن المغالاة في المهور سنّة سيئة، تجعل أمام الزواج العقبات المتراكمة, حتى يرى الشاب أن أمام زواجه بحراً من الديون لابد أن يركبه، ولا يدري أيقطعه بأن يكون غريق مطالبة فلان وفلان.
ألا فبأي مفخرة يفخر المغالون؟
وبأي سُنة يقتدون؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير النكاح أيسره)) أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر.
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من يمن المرأة: تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمِها)).
ثالثاً: السماح لمن تقدَّم للخطبة وجزم على ذلك أن ينظر إلى المخطوبة, وتلك رخصة رخصها له الشارع, فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يتزوج امرأة: ((هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).
فلا نُحَكِّم عادات وتقاليد على شرع الله تعالى, فلن نجد أحكم منه أبداً.
أما الرسالة الرابعة:
فإلينا جميعاً في أفراحنا بأن نحيي فيها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في إعلان النكاح, وأن نجعلها ليالي نيّرة بالمحافظة على أمر الله تعالى والوقوف عند حدوده, وأن نصون نقاءها من كل كدر يعكّر صفوها من الغناء الماجن، والتقاليد الغربية العمياء، والسهر المضيع للصلوات، ودخول الرجال على النساء، ونحو ذلك مما يحيلها ليلة كدر وإن ضحك أصحابها.
ولننظر في زواج بنت خير البشر صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها, فقد قال جابر رضي الله عنه: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها إهاباً (أي جلداً).
فماذا يقول بعد هذا أولئك الذين يتفاخرون بالإسراف والبذخ المفرط في أعراسهم؟!