كلما قرأت حديث النبي صلى الله عليه و سلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) توقفت متأملاً في هذا التلخيص الوجيز البليغ لرسالة يراد لها إعادة صياغة العالم و عمارة الأرض على مراد الله، و الناظر إلى محل الرسالة يجدها جزيرة العرب، حيث خرجت الرسالة الخاتمة من بني إسرائيل إلى بني عمومتهم أحفاد إسماعيل بن إبراهيم أبي الأنبياء، فالعرب محل اصطفاء خاص بمبعث النبي الخاتم لذا حسدهم اليهود و النصارى و استحبوا الكفر على اتباع عربي..
هل عرف العرب الأخلاق الحسنة قبل البعثة؟ هل كانوا قوماً يعظمون الحق و الفضيلة و أهلها؟ فمهمة النبي صلى الله عليه و سلم كان (إتماماً) و ليس (بدايةً) مما يدل على أنهم توافروا على حسن الخلق و الأخلاق ، جاء في اللمعات (كانت العرب أحسن الأمم أخلاقاً ، و لكنهم قد ضلوا بالكفر عن كثير منها ، و خلطوا بها أحكام الجاهلية ، فبعث صلى الله عليه و سلم ليتمم محاسن الأخلاق) ، و ليس بعيداً عنا خلق الكرم و الشجاعة و الفروسية ، و لكن دعونا نتوقف عند خلق عجيب و هو (الحياء)...
قال الشنفرى :
كأن لها في الأرض نسياً تقصه** على أمها و إن حدثتك تبلت
يصف فتاة عربية لا تكاد ترفع رأسها من الأرض كمن يبحث عن شيء ضاع منه ، و هي مع ذلك إن تكلمت معك لا تستطيع مواصلة الحديث خجلاً و حياءً..
و مثله قول النابغة يصف المتجردة :
سقط النصيف فلم ترد إسقاطه**فتناولته و اتقتنا باليد
المتجردة زوجة النعمان ، عرفوا الحجاب قبل الإسلام و عرفوا الحشمة و التستر و الحياء..
و في قصة أبي سفيان بن حرب لما قدم إلى قيصر و معه و فد من قريش فطلب منه الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم و كان بإمكانه الكذب ليكسب الروم و دعمهم السياسي و لكنه لم يكذب و قال (فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه) و في رواية (و لكني كنت امرءاً سيداً أتكرم عن الكذب) فسبحان الله يا سادة العرب الجدد..
و في حديث أبي موسى الأشعري حينما انطلق إثر أحد المشركين مقاتلاً، ففر الأعرابي فقال له أبوموسى الأشعري : ألا تستحيي؟ ألست عربياً؟ ألا تثبت؟ ) فثبت الأعرابي فقتله..
بالله عليكم تأملوا...
إنني أهدي قول الشنفرى و النابغة لكل عربي مواطن عادي، يتمايل مع الكليبات و يفرح بتكشف الفتيات و يطاردهن بلا هوادة فاغراً فاه أمام كل لحم مكشوف..
و أهدي قصة أبي سفيان في بلاد الروم لكل حاكم عربي أدمن الكذب على قومه و شعبه و نفسه..
و أهدي قصة أبي موسى لكل مقاتل عربي ..
رحمنا الله ..
لم نستحق حتى شرف العروبة الحقة فضلاً عن الإسلام..
اللهم اهدنا لأحسن الأاخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها الا أنت