رابعًا: أنهم أنكروا البعث لوجهين: شبهة تعرض لخاطر من إيمانه ضعيف، وهي استبعادهم جمع ما تفرق، واختلط بالتراب، وإعادته على النحو الذي كان عليه أولاً، ولهؤلاء جاء الرد بقوله: { أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } ، وقال تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } . ثانيًا: حب الاسترسال في اللذات، والاستكثار من الشهوات، فلا يود أن يقر ببعث ولا حشر ولا حساب، حتى لا تتنغص عليه لذاته، ولمثل هؤلاء قال: { بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } .
خامسًا: أن من علامات يوم القيامة تحير البصر ودهشه وشخوصه من شدة الهول، قال تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } .
سادسًا: منها ذهاب ضوء القمر ونوره.
سابعًا: منها الجمع بين الشمس والقمر بعد افتراقهما.
ثامنًا: الإرشاد إلى أن الإنسان حينما يرى هذه الأهوال يتساءل: أين المفر والمهرب؟ ويبدو في سؤاله الارتياع والفزع والدهشة والحيرة والقلق، فيجابون: لا ملجأ ولا وقاية ولا مفر من قهر الله وأخذه والرجعة إليه، والمستقر عنده.
تاسعًا: بيان أن الإنسان يخبر حين العرض والحساب ووزن الأعمال -بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها صغيرها وكبيرها، قال تعالى: { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } .
عاشرًا: بيان أن جوارح الإنسان تشهد عليه بما عمل، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه.
الأدلة لما تقدم:
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1- إن من علامات يوم القيامة تبدل النظام الكوني، بتشقق السماء، وتساقط الكواكب، وتفجير البحار بعضها في بعضها، حتى تصير بحرا واحدا، ثم توقد حتى تصير نارا تضطرم، وبعثرة القبور وإخراج موتاها منها.
2- إذا حدثت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة، حصل الحشر والنشر، وختمت صحائف الأعمال، فعلمت كل نفس ما كسبت، ووجدت ما قدمت من خير أو شر، وحوسبت كل نفس بما عملت، وأوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها، فتذكرت عند قراءته جميع أعمالها، ولم يعد ينفعها عمل بعد ذلك.
3- مسكين هذا الإنسان لا يشكر نعم ربّه بإطاعة أوامره، ولا يدخر من العمل الصالح ما يفيده في سفينة النجاة في آخرته، وغرّه كرم اللّه الذي تجاوز عنه في الدنيا، أو حمقه وجهله، أو شيطانه المسلط عليه. أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ فقال عمر: الجهل، كما قال تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب 33/ 72] . وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك اللّه تعالى يوم القيامة بين يديه، فقال لك: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول: غرّني ستورك المرخاة لأن الكريم هو الستّار.
4- نعم اللّه على الإنسان لا تعدّ ولا تحصى، وأهمها ما يتعلق بنفسه، حيث خلقه اللّه من نطفة ولم يك شيئا، وجعله سليم الأعضاء، منتصب القامة، متناسب الأعضاء، مستعدا لقبول الكمالات، بالسمع والبصر والعقل وغير ذلك، وصوّره في أحسن الصور وأعجبها وأبدعها، واختار له الهيئة الجميلة والشكل البديع، كما قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين 95/ 4] .
في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يبين فيه علامات يوم القيامة وتلد الأمة ربتها من هي الأمة وكيف تلد ربتها[/size]